مقتل الأمام الحسين عليه السلام

فجر عاشوراء لما أصبح الحسين يوم عاشوراء، وصلّى بأصحابه صلاة الصبح، قام خطيباً فيهم، حمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أنّ الله سبحانه وتعالى قد أذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم، فعليكم بالصبر والقتال. ثمّ صفهم للحرب، وكانوا سبعة وسبعين ما بين فارس وراجل، فجعل زهير بن القين في الميمنة، وحبيب بن مظاهر في الميسرة، وأعطى رايته أخاه العباس، وثبت هو عليه السلام وأهل بيته في القلب. وأقبل عمر بن سعد نحو الحسين في ثلاثين ألفاً، وعلى الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس، وعلى الرجالة شبث بن ربعي، والراية مع ذويد مولاه، وأقبلوا يجولون حول البيوت، فيرون النار تضطرم في الخندق، فنادى شمر بأعلى صوته: ياحسين تعجلت بالنار قبل يوم القيامة. فقال الحسين: من هذا، كأنه شمر بن ذي الجوشن؟ قيل: نعم. فقال له: يا ابن راعية المعزى، أنت أولى بها مني صِلِيّا. ورام مسلم بن عوسجة أن يرمِيَه بسهم، فمنعه الحسين وقال: أكره أن أبدأهم بقتال. خطبة الحسين (ع) الأولى ولما نظر الحسين إلى جمعهم كأنه السيل، رفع يديه بالدعاء وقال: اللهّم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلْتُه بِك، وشكوتهُ إليك، رغبةً مني إليك عمَّن سواك، فكشفتهُ وفرجته، فأنت وليُّ كلّ نعمة، ومنتهى كل رغبةٍ. ثم دعا براحلته فركبها، ونادى بصوت عال يسمعه جلُّهُم: أيها الناس إسمعوا قولي ولا تعجلوا، حتى أَعظكم بما هو حقُّ لكم عليَّ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عُذري، وصدقتم قولي، و أعطيتموني النَّصف من أنْفُسكم كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليّ سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر، ولم تعطوا النصف من أنفسكم، فأجمعوا أمركم وشركاءكم، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة، ثمّ اقضوا إليَّ ولا تنظرون، إنّ وليّي الله الذي نَزّ ل الكتاب، وهو يتولّى الصالحين. فلمّا سمعنَ النساء هذا منه صحنَ وبكينَ، وارتفعت أصواتهنَّ، فأرسل إليهنَّ أخاه العباس وابنه علياً الأكبر، وقال لهما: سكّتاهنَّ فلعمري ليكثر بكاؤهنَّ. ولما سكتنَ، حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على محمّد وعلى الملائكة والأنبياء، وقال في ذلك ما لا يُحصى ذِكْرُه،ولم يُسمَع متكلم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه، ثمّ قال: الحمد لله الذي خلق الدّنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته، والشقيّ من فتنته، فلا تغرنكم هذه الدّنيا، فإنها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخيّب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم،وأحلَّ بكم نقمته، وجنّبكم رحمته. فنِعمَ الرّب ربُّنا، وبئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم. ثمَّ إنكم زحفتم إلى ذرّيته وعترته، تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكر الله العظيم، فتباً لكم ولما تريدون، إنالله وإنا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم، فبُعداً للقوم الظالمين. أيّها الناس، انسبوني من أنا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وانظروا هل يحل لكم قتلي؟ وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم؟ وابن وصيّه؟ وابن عمه؟ وأول المؤمنين بالله؟ والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟ أو ليس جعفر الطّيار عمّي؟ أوَ لَم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّه؟ فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ، و الله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أنَّ الله يمقت عليه أهله، ويضرّ به من اختلقه، وإنْ كذبتموني فإنَّ فيكم مَن إنْ سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي، أما في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي؟ فقال الشمر: هو يعبد الله على حرف إنْ كانَ يدري ما يقول. فقال له حبيب بن مظاهر: و الله إنّي أراكَ تبعد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهدُ أنك صادق ما تدري ما يقول، قد طَبعَ الله على قلبك. ثمّ قال الحسين: فإنْ كنتم في شكّ من هذا القول، أفتشكّون أني ابن بنت نبيكم، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابنُ بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم أ تطْلُبوني بقتيل منكم قتلته، أو مالٍ لكم استهلكتُه، أو بقصاصِ جِراحةٍ؟ فأخذوا لا يُكلّمونه. فنادى: ياشبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويازيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ: أن اقدِم قَد أيْنعتِ الثمار، وأخضرَّ الجناب وإنّما تَقْدِم على جند لك مجندة؟ فقالوا: لم نفعل، قال: سبحان الله: بلى و الله لقد فعلتم!! ثمّ قال: أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرفُ عنكم إلى مأمني من الأرض. فقال له قيس بن الأشعث: أوَلا تنزل على حكم بني عمّك؟ فإنهّم لن يُروك إلاّ ما تحب، ولن يصل إليك منهم مكروه. فقال الحسين: أنت أخو أخيك؟ أتريد أن يطلبَك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا و الله لا أُعطيهُم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد. عباد الله إنّي عُذت بربي وربِكم أن ترجمون، أعوذ بربي وربكم من كلّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب. ثمّ أناخَ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها. فإذا همُ لا يملكون خطابا لم أنسهُ إذ قام فيهم خاطباً وملاذَكم إن صرفُ دهرٍ نابا يدعو ألستُ أنا ابن بنت نبيكم أم كنتُ في أحكامه مرتابا هل جئت في دين النبي ببدعة الثقلين فيكم عترةً كتابا أم لم يُوصِّ بنا النبيُ وأودعَ أحسابَكُم إن كنتمُ أعرابا إن لم تدينوا بالمعادِ فراجعوا إلا الأسنةَوالسهامَ جوابا فغدوا حيارى لا يَرون َلوعظِهِ الزحف ومحاورة عبد الله بن حوزة وأقبل القوم يزحفون نحوه، وكان فيهم عبد الله بن حوزة التميمي، فصاح:أفيكم حسين؟ وفي الثالثة قال أصحاب الحسين: هذا الحسين فما تريد؟ قال: يا حسين أبشر بالنار. قال الحسين: كذبت، بل أقدم على ربّ غفور كريم مطاع شفيع، فمنْ أنت؟ قال: ابن حوزة. فرفع الحسين يديه حتى بانَ بياضُ ابطيَهِ وقال: اللهم حُزه إلى النار، فغضب ابن حوزة، وأقحم الفرس إليه وكان بينهما نهر، فعلقت قدمه بالركاب، وجالت به الفرس فسقط عنها، وانقطعت قدمه وساقه وفخذه، وبقي جانبه الآخر معلّقاً بالركاب، وأخذت الفرس تضرب به كلَّ حجر وشجر حتى هلك. قال مسروق بن وائل الحضرمي: كنت في أول الخيل التي تقدّمَتْ لحرب الحسين، لعلّي أن اُصيب رأس الحسين، فأحظى به عند ابن زياد، فلمّا رأيت ما صنع بابن حوزة، عرفت أن لأهل هذا البيت حرمة ومنزلة عند الله، وتركت النّاس وقلتُ: لا أُقاتلهم فأكون في النار. خطاب زهير بن القين وخرج إليهم زهيرُ بن القين على فرس ذنوب، وهو شاك في السلاح فقال: يا أهل الكوفة نذارِ لكم من عذاب الله نذار، إن حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن اخوة على دين واحد، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فاذا وقع السيف انقطعت العصمة،وكنّا اُمّة وأنتم اُمّه. إن الله ابتلانا وإياكم بذرية نبيّه محمّد، لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنّا ندعوكم إلى نصرهم، وخذلانِ الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد، فإنكم لا تدركون منهما إلاّ سوء عمر سلطانهما، ليسملان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم، ويمثلان بكم،و يرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم و قراءكم، أمثال: حجر بن عدي وأصحابه، وهاني بن عروة وأشباهه. فسبّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له، وقالوا: لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى عبيد الله بن زياد سلماً. فقال زهير: عباد الله إنّ ولد فاطمة أحقّ بالوُدّ والنصر من ابن سمية، فإن لم تنصروهم فاُعيذكم ب الله أنْ تقتلوهم، فخلّوا بين هذا الرجل وبين يزيد، فلعمري إنّه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. فرماه الشمر بسهم وقال: اسكتْ؛ اسكتَ الله نامتك، أبرمتنا بكثرة كلامك. فقال زهير: يا ابن البّوال على عقبيه ما إياك اُخاطب، إنما أنت بهيمة، و الله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال الشمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة. فقال زهير: أفبالموت تخوفني؟ فو الله لَلْمَوت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم. ثم أقبل على القوم رافعاً صوته وقال: عباد الله لا يغرّنّكم عن دينكم هذا الجلفُ الجافي وأشباهه، فو الله لا تنال شفاعة مُحمّد قوماً هرقوا دماء ذرّيته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم، وذبَّ عن حريمهم. فناداه رجل من أصحابه: إن أبا عبد الله يقول لك: أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه، وأبلغ في الدعاء، فلقد نصحت هؤلاء، وأبلغت لو نفع النُّصح والإبلاغ. خطاب برير بن خضير واستأذن الحسينَ بريرُ بن خضير في أن يكلّم القوم، فأذن له، وكان شيخاً تابعياَ ناسكاً قارئاً للقرآن، ومن شيوخ القرّآء في جامع الكوفة، وله في الهمدانيين شرف وقدر وجلالة. فوقف قريباً منهم ونادى: يا معشر الناس إن الله بعث محمداً بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد و كلابه، وقد حيل بينه وبين ابن بنت رسول الله، أفجزاءُ محمد هذا؟ فقالوا: يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف عنّا، فو الله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله. قال: يا قوم إنّ ثقل محمّد قد أصبح بين أظهركم، وهؤلاء ذريّتُه وعترتُه وبناتُه وحرمُه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم؟ فقالوا: نريد أن نمكّن منكم الأمير عبيد الله بن زياد فيرى فيهم رأيه قال: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة، أنسيتم كتبكم؟ ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد، وحلأتموهم عن ماء الفرات، بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته، مالكم؟ لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم. فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول؟ قال: الحمدلله الذي زادني فيكم بصيرة، اللّهم إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم، اللّهم القِ بأسهم بينهم، حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان. فجعل القوم يرمونه بالسهام فتقهقر إلى ورائه. خطبة الحسين (ع) الثانية ثمّ إنَّ الحسين ركب فرسه، وأخذ مصحفاً ونشره على رأسه، ووقف بإزاء القوم وقال: ياقوم إن بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة، وما عليه من سيف النبي ودرعه وعمامته، فأجابوه بالتصديق. فسألهم عمّا أقدمهم على قتله. قالوا: طاعةً للأمير عبيد الله بن زياد. فقال عليه السلام: تباً لكم أيّتها الجماعة وترحاً، أحين استصرختمونا والهين،فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم، فأصبحتم ألباً لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاّ لكم الويلات، تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما يستصحف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ثمّ نقضتموها، فسحقاً لكم يا عبيد الاُمّة، وشذاذ الأحزاب، ونَبَذَةَ الكتاب، ومحرّفي الكلم، وعصبة الإثم، ونفثة الشيطان،ومطفئي السنن، ويحكم أهؤلاء تعضدون، وعنا تتخاذلون، أجلْ و الله غدرٌ فيكم قديم، و شجت عليه اُصولكم، وتأزرت فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجيٍ للناظر، وأكلة للغاصب. ألا وإنّ الدّعي بن الدّعي يعني ابن زياد قدْ ركز بين اثنتين، بين السلة والذّلة، وهيهات منّا الذّلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وحجور طهرت، واُنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الاُسرة، على قلة العدد وخذلان الناصر. ثم انشد أبيات فروة: فإن نهزم فهزّامون قدماً وإن نهْزَم فغير مُهزَّمينا وما ان طبنا جُبن ولكن منايانا ودولة آخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا أما و الله لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلِقَ بكم قلق المحور، عهد عهدهُ إليّ أبي عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة، ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون، إني توكلت على الله ربّي وربكّم، ما من دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها، إنّ ربّي على صراط مستقيم. ثمّ رفع يديه وقال: اللّهم احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبرة، فإنهم كذّبونا وخذلونا، وأنت ربُّنا عليك توكّلنا وإليك المصير . استدعاء عمر بن سعد واستدعى عمر بن سعد فدعي له، وكان كارهاً لا يحب أن يأتيه. فقال أي عمر: أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدعي بلاد الري وجرجان؟ و الله لا تتهنّئ بذلك عهد معهود فاصنع ما أنت صانع، فإنك لاتفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، وكأني برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة، ويتخذونه غرضاً بينهم، فطرق بوجهه عنه مغضباً. توبة الحر ولما سمع الحرُّ بن يزيد الرياحي كلام أبي عبد الله الحسين واستغاثته، أقبل على عمر بن سعد وقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: إي و الله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي. قال: ما لكم فيما عرضه عليكم من الخصال؟ فقال:لو كان الأمر إليّ لقبلت، ولكن أميرك ابن زياد يأبى ذلك. فتركه ووقف مع الناس، وكان إلى جنب قرّة بن قيس فقال لقرة: هل سقيت فرسك؟ فقال: لا. قال: فهل تريد أن تسقيه؟ فظن قرة من ذلك أنّه يريد الإعتزال، ويكره أن يشاهده أحد، فتركه، فأخذ الحُرُّ يدنو من الحسين بن علي قليلاً قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذته الرِّعدة، فارتاب المهاجر من هذا الحال. وقال له: لو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟ فقال الحرُّ: إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار، و الله لا أختار على الجنة شيئاً ولو اُحرقت. ثم ضرب جواده نحو الحسين بن علي، منكساً برأسه حياءً من آل الرسول، بما أتى إليهم وجعجع بهم في هذا المكان على غير ماء ولا كلأ، رافعاً صوته: اللهّم إليك اُنيب فتبْ عليّ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك. يا أبا عبد الله، إنّي تائب فهل ترى لي من توبة؟ إلهنا ونحن نتوب إليك في هذا المقام الكريم. فقال الحسين: نعم يتوبُ الله عليك. فسرّه قول أبي عبد الله، وتيقّن الحياة الأبديّة، والنعيم الدائم، ووضح له قول الهاتف لما خرج من الكوفة، فحدّث الحسين بحديثه قال فيه: لما خرجت من الكوفة، نوديتُ: أبشر يا حرُّ بالجنّة. فقلتُ: ويل للحر يُبشرّ بالجنة، وهو يسير إلى حرب ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له الحسين: لقد أصبت خيراً وأجراً. نصيحة الحر للقوم ثمّ استأذن الحسين في أن يُكلّمَ القوم، فأذِن له. فنادى بأعلى صوته: يا أهل الكوفة لأمكم الهَبَل والعبَر، أدعوتم هذا العبد الصالح وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه، حتى إذا جاءكم أخذتم بكظمه، وأحطتم به من كل جانب، فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة، حتى يأمن وأهل بيته، وأصبح كالأسير في أيديكم، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وحلأتموه وصبيته ونساءه وصحبه عن ماء الفرات الجاري، الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس، وَتتمَرَغُ فيه خنازير السواد وكلابه، وها هم قد صرعهم العطش، بئس ما خلفتم محمداً في ذريته، لاسقاكم الله يومَ الظمأ. فحملت عليه رجالة ترميه بالنبل، فتقهقر حتى وقف أمام الحسين. إذ أنّ الحسين بن علي منع أصحابه وأهل بيته من أن يبدأوا القوم بقتال قط، فلذلك ترى الأصحاب في كل مقام وعظ وإرشاد وتوجيه يرشقون بالسهام، أو يحمل عليهم أحد تراهم يتراجعون إلى ورائهم، امتثالاً لأمر إمامهم وسيدهم أبي عبد الله الحسين، إذ أنه ما يريد أن يبدأ كُلَّ أحد بقتال أبداً. أمان الشمر للعباس وأخوته وصاح الشمر بأعلى صوته: أين بنو اختنا؟ أين العباس واخوته، فأعرضوا عنه. فقال الحسين عليه السلام: أجيبوه ولو كان فاسقاً. قالوا: ما شأنك وما تريد؟ فقال: يا بني اختي، أنتم آمنون، فلا تقتلوا أنفسكم مع الحسين، والزموا طاعة أميره - أمير الفاسقين - يزيد. فقال العباس له: لعنك الله ولعن أمانك. أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له. وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء. وتقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين. ورمى بسهم، وقال: إشهدوا لي عند الأمير ابن زياد أني أول من رمى، ثم رمى الناس. فلم يبق من أصحاب الحسين أحد إلاّ أصابه من سهامهم. فقال عليه السلام لأصحابه: قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابدّ منه، فإنّ هذه السهام رُسُلُ القوم إليكم. فحمل أصحابه حملة واحدة واقتتلوا ساعة فما انجلت الغبرة إلا عن خمسين صريعاً من أصحاب أبي عبد الله. وخرج يسار مولى زياد، وسالم مولى عبيد الله بن زياد، فطلبا البراز؟ فوثب حبيب وبرير فلم يأذن لهما الحسين، فقام عبد الله بن عمير الكلبي من بني عليم أو عُليم، وكنيته أبو وهب، وكان طويلاً شديد الساعدين، بعيد ما بين المنكبين، شريفاً في قومه، شجاعاً مجرباً، فأذن له وقال: أحسبه للأقران قتّالا. فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفُك ليخرج إلينا زهير أوحبيب أو برير. وكان يسار قريباً منه، فقال له: ياابن الزانية أوَ بكَ رغبة عن مبارزتي، ثمّ شدّ عليه بسيفه يضربه؛ وبينا هو مشتغل به؛ إذ شد عليه سالم، فصاح أصحابه: قد رهقك العبد، فلم يعبأ به، فضربه سالم بالسيف، فاتقاها عبد الله بيده اليسرى، فأطار أصابعها، ومال عليه عبد الله فقتله، وأقبل إلى الحسين يرتجز وقد قتلهما معاً. واخذت أُم وهب زوجته عموداً وأقبلت نحوه تقول: فداك أبي وأُمّي قاتل دون الطيبين ذرية محمّد، فأراد أن يردّها إلى الخيمة فلم تطاوعه، وأخذت تجاذبه ثوبه، وتقول: لن أدعك دون أن أموت معك. فقال لها: الآن كنت تنهيني عن القتال والآن جئت تقاتلين معي. قالت: لا تلمني إن واعية الحسين كسرت قلبي! فقال: ما الذي سمعتي منه. قالت: سمعته بباب الخيمة ينادي: واقلة ناصراه! فنادى - الحسين- : سيدي أبا عبد الله ردها إلى الخيمة. فناداها الحسين: جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيراً، إرجعي إلى الخيمة، فإنه ليس على النساء قتال. فرجعت. ولما نظر من بقي من أصحاب الحسين إلى كثرة من قُتل منهم؛ أخذ الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسين في الذبِّ عنه، والدّفع عن حرمه، وكل يحمي الآخر من كيد عدوه. الجابريان والغفاريان فخرج الجابريان وقاتلا في مكان واحد حتى قتلا، وخرج الغفاريان فقالا للحسين: السلام عليك أبا عبد الله إنا جئنا لنقتل بين يديك وندفع عنك. فقال: مرحبا بكماً واستدناهما منه فدنوا وهما يبكيان، قال: ما يبكيكما يا ابني أخي، فو الله إني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريرِ العين، قالا: جعلنا الله فداك ما على أنفسنا نبكي، ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك، ولا نقدر أن ننفعك. فجزّاهما الحسين خيراً، فقاتلا قريباً منه حتى قتلا. عمرو بن خالد الصيداوي وخرج عمرو بن خالد الصيداوي، وسعد مولاه، وجابر بن الحارث، ومجمع بن عبد الله العائذي، وشدّوا جميعاً على أهل الكوفة، فلمّا أوغلوا فيهم، عطف عليهم الناس، وقطعوهم عن أصحابهم. فندب إليهم الحسين أخاه العباس، فاستنقذهم بسيفه، وقدْ جرحوا بأجمعهم، وفي أثناء الطريق إقترب منهم العدو، فشدّوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح، وقاتلوا حتى قُتلوا في مكان واحد. ولما نظر الحسين إلى كثرة من قتل من أصحابه؛ قبض على شيبته المقدسة وقال:اشتدّ غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتدّ غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتُهم على قتل ابن بنت نبيّهم. أما و الله لا أُجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي. ثمّ صاح: أما من مغيث يغيثنا، أما من ذابٍّ يذبُّ عن حرم رسول الله، فبكت النساء وكثر صراخهن. ثم صاح عمرو بن الحجاج: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر و أهل البصائر، و قوم مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلاّ قتلوه على قلّتهم. والسبب في ذلك أنّهم كانوا يقاتلون عن عقيدة وإيمان، وأولئك كانوا يقاتلون في سبيل المادة والطمع. فقال عمرو بن الحجاج: لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت، أرسل في الناس من يعزم عليهم أنْ لا يبارزهم رجلٌ منهم، ولو خرجتم إليهم وحداناً لأتوا عليكم، ثم حمل عمرو بن الحجاج على ميمنة الحسين، فثبتوا له، وجثوا على الرُكب، وأشرعوا الرماح، فلَمْ تقدِم الخيل، فلما ذهبت الخيل لترجع، رشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين. مسلم بن عوسجة ثمّ حمل عمرو بن الحجاج من نحو الفرات، فاقتتلوا ساعة، وفيها قاتل مسلم بن عوسجة، فشدّ عليه مسلم بن عبد الله، وعبد الله البجلي، وثارت لشدّة الجلاد غبرة شديدة، وما انجلت الغُبْرة إلاّ ومسلم بن عوسجة صريعاً وبه رمق. فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر. فقال له الحسين: رحمك الله يا مسلم، ثم تلى قوله تعالى (منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً). ودنا منه حبيب وقال: عزَّ عليّ مصرعُك يامسلم ابشر بالجنة. فقال مسلم بن عوسجة بصوت ضعيف: بشرك الله بخير يا أخي ياحبيب. ثم قال: حبيب: لو لم أعلم أني في الأثر لأحبَبتُ أن توصي لي بجميع ما يهمك. فقال له مسلم: اوصيك بهذا؛ وأشار إلى الحسين بن علي أن تموت دونه. فقال: أفعل وربّ الكعبة، وفاضت روحُه بينهما. وصلت يبن ظاهر منيتي آني ما وصيك بعيالي او بيتي او لا تحفظ اولادي اوثنيتي انجان نيتك مثل نيتي اريدنك اتجاهد سويتي بالحسين واعياله وصيتي وصاحت جارية له: وامسلماه! يا سيداه! يا ابن عوسجتاه! فتنادى أصحاب ابن الحجاج. قتلنا مسلما. فقال شبث بن ربعي لمن حوله: ثكلتكم أُمّهاتُكم؛ أيُقتل مثل مسلم وتفرحون، لَرُبّ موقف له كريم في المسلمين رأيته يوم آذربيجان وقد قَتَل ستة من المشركين قبل التئام خيول المسلمين. الهجوم على ميسرة الحسين (ع) وحمل الشمر في جماعة من أصحابه على ميسرة الحسين، فثبتوا لهم حتّى كشفوهم. وفيها قاتل عبد الله بن عمير الكلبي، فقتل رجالاً، وشد عليهم هاني بن ثبيت الحضرمي فقطع يده اليمنى، وقطع بكر بن حي ساقه، فأخذ أسيراً وقتل صبراً، فمشت إليه زوجته أم وهب وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه وتقول: هنيئاً لك الجنّة، اسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك. فقال الشمر لغلامه: اضرب رأسها بالعمود، فشدخه وماتت مكانها، وهي أول امرأة قتلت يوم عاشوراء من أصحاب الحسين بن علي، وقطع رأسه ورمي به إلى جهة الحسين، فأخذته أمه ومسحت الدم عنه، ثم أخذت عمود خيمة، وبرزت إلى الأعداء، فردها الحسين، وقال: ارجعي رحمك الله، فقد وضع عنك الجهاد، فرجعت وهي تقول: اللهم لا تقطع رجائي. فقال الحسين: لا يقطع الله رجاكِ. الهجوم على فسطاط الحسين (ع) وحمل الشمر حتى طعن فسطاط الحسين بالرمح وقال: عَلَيّ بالنار لاُحرقه على أهله. فتصايَحَت النساء وخَرَجن من الفسطاط، وناداه الحسين: ياابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي، أحرقك الله بالنار! وقال شبث بن ربعي: أمرعباً للنساء صرت؟ ما رأيتُ مقالاً أسوأ من مقالك، ولا موقفاً أقبح من موقفك، فاستحيى وانصرف. وحمل على جماعته زهير بن القين في عشرة من أصحابه حتى كشفوهم عن البيوت، ولما رأى عزرة بن قيس وهو على الخيل، الوهن في أصحابه والفشل، كلّما يحملون، بعث إلى عمر بن سعد يَسْتمدّه الرّجال. فمده بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرُّماة، واشتدّ القتال، وأكثر أصحاب الحسين فيهم الجراح، حتى عقروا خيولهم وأرجلُوهُم، ولم يقدروا أن يأتوهم إلا من وجه واحد لتقارُب أبنيتهم. فأرسل ابن سعد الرجال ليقوّضوها عَن أيمانهم، وعن شمائلهم، ليُحيطوا بهم، فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخللون البيوت، فيشدّون على الرجل وهو ينهب، فيقتلونه ويرمونه من قريب فيعقرونه. فقال ابن سعد: أحرقوها بالنار، فأضرموا فيها النار، فصاحت النساء،ودهشت الأطفال. فقال الحسين: دعوهم يحرقونها، فإنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم، فكان كما قال عليه السلام. مصرع أبو الشعثاء الكندي وكان أبو الشعثاء الكندي وهو يزيد بن زياد رامياً. فجثا على ركبتيه بين يدي الحسين، ورمى بمائة سهم والحسين يقول: اللهم سدّد رميته واجعل ثوابه الجنة. ثمّ حمل على القوم فقتل تسعة عشر رجلاً ثم قتل. زوال الشمس ومصرع حبيب والتفت أبو ثمامة الصائدي إلى الشمس فرآها وقد زالت، فقال للحسين: نفسي لك الفداء، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، لا و الله لا تُقْتَل حتى اقتل دونك، وأحب أنْ ألقى الله وقد صلّيت هذه الصلاة التي دَنا وقتها. فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: ذكرتَ الصلاةَ جعلكَ الله من المصلّين الذاكرين. انظروا أيّها المسلمون دعا الحسين بن علي سلام الله عليه لهذا العبد الصالح بأعظم دعاء، وهو أن قال: جعلك الله من المصلين. فمرنوا اولادكم وعودوا بناتكم معاشر المسلمين على الصلاة في دور الصغر، فان دور الصغر، اذا صلى الإنسان فيه لا يسعه أن يترك الصلاة في الكبر، وإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. فقال الحسين: نعم، هذا أول وقتها، سلوهم عن أن يكفّوا عنّا حتى نصلي. فقال الحصين: إنها لا تُقبل. فقال حبيب بن مظاهر: زعمت أنها لا تقبل من آل الرسول وتقبل منك يا حمار. فحمل عليه الحصين، فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف، فشبت به ووقع عنه، واستنقذه أصحابه فحملوه. وقاتلهم حبيب قتالاً شديداً، فقتل على كبر سنّه اثنين وستين رجلاً، وحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه، وطعنه آخر من تميم برمحه، فوقع إلى الأرض، فذهب ليقوم وإذا بالحصين يضربه بالسيف على رأسه، فسقط لوجهه، ونزل إليه التميمي واحتز رأسه. فَهَدّ مقتله الحسين. فقال: عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي، واسترجع الحسين كثيراً. الحر بن يزيد الرياحي وخرج من بعده الحر بن يزيد الرياحي ومعه زهير بن القين، يحمي ظهره، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شَدّ الآخر واستنقذه، ففعلا ساعة، وإن فرس الحر لمضروب على اُذنيه وحاجبيه والدماء تسيل منه، فبرز إليهم وهو يرتجز ويقول: إني أنا الحر ومأوى الضيف أضرب في أعناقكم بالسيف عن خير من حل بأرض الخيف أضربكم ولا أرى من حيف. حتى قتل منهم جماعة كثيرة على كبر سنه. جله اهموم الفواطم مجله الغتوت ورج الغاضرية وحامه البيوت عكب ما شافت امن امذهبه الموت طاح اوفيض دمه اعله الثره يسيل اجاه احسين مثل الليث يهدر ينادي ودمع عينه اعليه ينثر امك ما خطت من سمتك حر مسح عنه التراب اومدمعه ايسيل او من ناده الرجس ياخيلنه اوصاح عمامه ابغيض سلت بيض الصفاح ابذيج الخيل نادت كل بني ارياح عميد الحر عجب ينداس بالخيل عله اخشوم الزلم رغما نشيله أو كل مجتول تنهض ليه جبيله تسل بيض السيوف اوتعتنيله لعد المعركة والجثته اتشيل العشيرة شالته ابحر الظهيرة الكل منهم عليه شالته الغيرة بس ظلوا الماعدهم عشيره ضحاية اعله الترب من غير تغسيل وحمل أصحاب الحسين الحر ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه وكان به رمق، فقال الحسين له وهو يمسح الدم عنه: أنت الحر كما سمتك اُمك، وأنت الحر في الدنيا والآخرة، وعلى قول: أنت حر في الدنيا وسعيد في الآخرة، ورثاه رجل من أصحاب الحسين، قيل علي بن الحسين: لَنِعم الحرُ حر بني رياحي صبور عند مشتبك الرماح ونِعم الحرُ إذ فادى حسيناً وَجادَ بنفسه عند الصباح الصلاة وقام الحسين إلى الصلاة، فصلى بمن بقي من أصحابه صلاة الخوف، وتقدم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي في نصف من أصحابه. ويقال أنّه صلى وأصحابه فرادى بالايماء. ولما اُثخن سعيد بالجراح سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود، وأبلغ نبيك مني السلام، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك صلى الله عليه وآله وسلم!. والتفت إلى الحسين قائلاً: أوفيت ياابن رسول الله؟! قال: نعم أنت أمامي في الجنة، ثم قال: سعيد! أبلغ جدي أني تركت حسيناً في الأثر، وقضى نحبه. فوجد به ثلاثة عشر سهما غير الضرب والطعن. خطاب الحسين (ع) بعد الصلاة ولما فرغ الحسين من الصلاة قال لأصحابه: يا كرام هذه الجنة قد فتحت أبوابها، واتصلت أنهارها، وأينعت أثمارها، وهذا رسول الله والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله يتوقعون قدومكم، ويتباشرون بكم، فحاموا عن دين الله ودين نبيه، وذبوا عن حرم الرسول. فقالوا: نفوسنا لنفسك الفداء، ودماؤنا لدمك الوقاء، فو الله لايصل إليك وإلى حرمك سوء وفينا عرق يضرب. ووثبوا إلى خيولهم فعقروها، ولم يبق مع الحسين فارس إلا الضحاك بن عبد الله المشرقي. يقول: لما رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بفرسي وأدخلتها فسطاطاً لأصحابنا، واقتتلوا أشد القتال. وكان كل من أراد الخروج ودع الحسين بقوله: السلام عليك يا ابن رسول الله. فيجيبه الحسين: وعليك السلام ونحن خلفك، ثم يقرأ: {ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}. ابن مضارب وزهير بن القين وخرج سلمان بن مضارب البجلي وكان ابن عم زهير فقاتل. وخرج بعده زهير بن القين فوضع يده على منكب الحسين وقال مستأذنا: أقدم هديت هادياً مهديا فاليوم ألقى جدك النبيا وحسناً والمرتضى عليا وذا الجناحين فتى الكميا وأسد الله الشهيد الحيا فقال الحسين: وأنا ألقاهما على أثرك، وفي حملاته يقول: أنا زهير وأنا ابن القينِ أذودكم بالسيف عن حسين فقتل مائة وعشرين، ثم عطف عليه كثير بن عبد الله الشعبي والمهاجر بن أوس فقتلاه. فوقف عليه الحسين ودعى له وجزاه خيرا، وقال: لعن الله قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير. عمر بن قرظة الأنصاري وجاء عمر بن قرظة الأنصاري ووقف أمام الحسين يقيه من العدو، ويتلقى السهام بصدره وجبهته، فلم يصل إلى الحسين سوء، ولما كثر فيه الجراح التفت إلى أبي عبد الله وقال: أوفيت ياابن رسول الله؟! قال: نعم أنت أمامي في الجنة، فاقرأ رسول الله مني السلام، وأعلمه أني في الأثر، وخر ميتا. فنادى أخوه علي، وكان مع ابن سعد: ياحسين ياكذاب! - إنما أقول كلمته حتى تطلع على خبث هؤلاء الأفراد، غررت أخي حتى قتلته. فقال (ع): إني لم أغر أخاك ولكن الله هداه وأضلك. فقال: قتلني الله إن لم أقتلك، ثم حمل على الحسين ليطعنه فاعترضه نافع بن هلال الجملي فطعنه حتى صرعه، فحمله أصحابه وعالجوه وبرئ . نافع بن هلال البجلي ورمى نافع بن هلال الجملي بنبال مسمومة كتب اسمه عليها وهو يقول: أرمي بها مُعلمة أفواقُها مسمومةً تجري بها اخفاقها فقتل اثني عشر رجلا سوى من جرح، ولما فنيت نباله، جرد سيفه يضرب فيهم، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال، حتى كسروا عضديه، وأخذوه أسيراً، فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه. فقال له ابن سعد: ماحملك على ما صنعت بنفسك؟ قال: إن ربي يعلم ماأردت. فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته: أما ترى ما بك؟ فقال: و الله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلاً سوى من جرحت، وما ألوم نفسي على الجهد، ولو بقيت لي عضد ما أسرتموني، ثم قتله الشمر . واضح وأسلم ولما صرع واضح التركي مولى الحرث المذحجي استغاث بالحسين فأتاه أبو عبد الله واعتنقه. فقال: من مثلي و ابن رسول الله واضع خده على خدي! انظر إلى الحسين بن علي رجل الدين والانسانية يضع خده مرة على خد ولده علي الأكبر، وكذلك أيضا مرة اخرى يضع خده على خد غلام تركي، إذ لا يفرق، إمامنا سلام الله عليه بين أفراد النوع الإنساني، فالدين الإنساني هو الدين الإسلامي، ثم فاضت نفسه الطاهرة. ومشى الحسين إلى أسلم مولاه واعتنقه، وكان به رمق فتبسم وافتخر بذلك، ومات رضوان الله عليه! مباهلة برير ونادى يزيد بن معقل: يابرير كيف ترى صنع الله بك؟ فقال: صنع الله بي خيراً، وصنع بك شراً. فقال يزيد: كذبت وقبل اليوم ما كنت كذابا. أتذكر يوم كنت أماشيك في بني لواذن وأنت تقول: كان عثمان مسرفا، ومعاوية ضالاً، وإن إمام الهدى علي بن أبي طالب. قال: برير، بلى أشهد أن هذا رأيي. فقال يزيد: وأنا أشهد أنك من الضالين. فدعاه برير إلى المباهلة؛ فرفعا أيديهما إلى الله سبحانه يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله، ثم تضاربا فضربه برير على رأسه ضربة قدت المغفر والدماغ، فخر كأنما هوى من شاهق، وسيف برير ثابت في رأسه وبينا هو يريد أن يخرجه إذ حمل عليه رضا بن منقذ العبدي، واعتنق بريرا واعتركا، فصرعه برير وجلس على صدره، فاستغاث رضا بأصحابه، فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل على برير. فصاح به عفيف بن زهير بن أبي الأخنس: هذا برير بن خضير، القارئ الذي كان يقرؤنا القرآن في جامع الكوفة، فلم يلتفت إليه وطعن بريراً في ظهره، فبرك برير على رضا وعض وجهه وقطع طرف أنفه، وألقاه كعب برمحه عنه وضربه بسيفه فقتله. وقام العبدي ينفض التراب، فقال قد أنعمت علي يا أخ الأزد نعمة لا أنساها أبداً. ولما رجع كعب بن جابر إلى أهله عتبت عليه امرأته النوار وقالت: أعنت على ابن فاطمة، وقتلت سيد القراء، لقد أتيت عظيماً من الأمر، و الله لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً. فقال: سَلي تخبري عني وأنت ذميمة غَداة حسين والرماح شوارعُ إلى آخر أبياته. خطاب حنظلة ومصرعه ونادى حنظلة بن سعد الشبامي: ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الاحزاب؛ مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود، والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد. ياقومي إني أخاف عليكم يوم التناد، يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد. ياقوم لا تقتلوا حسينا، فيسحتكم الله بعذاب. وقد خاب من افترى. فجزّاه الحسين خيراً وقال: رحمك ‎الله، إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين؟ قال: صدقت ياابن رسول الله، أفلا نروح إلى الجنة؟ أفلا نروح إلى الآخرة؟ فأذن له: فسلم على الحسين، وتقدم يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه. عابس الشاكري وأقبل عابس بن أبي شبيب الشاكري على شوذب مولى شاكر، وكان شوذب من الرجال المخلصين وداره مألفا للشيعة، يتحدثون فيها فضل أهل البيت. فقال: ياشوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال: اقاتل معك حتى اقتل، فجزاه خيرا وقال له: تقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك، وحتى أحتسبك، فإن هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه. فسلم شوذب على الحسين وقاتل حتى قتل. ووقف عابس أمام أبي عبد الله وقال: ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز عليّ منك، ولو قدرت أن أدفع الضيم عنك بشيء أعز عليّ من نفسي لفعلت، السلام عليك، أشهد أني على هداك وهدى أبيك! ومشى نحو القوم مصلتا سيفه وبه ضربة على جبينه فنادى: ألا رجل؟ فأحجموا عنه لأنهم عرفوه أشجع الناس. فصاح عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة فرمي بها، فلما رأى ذلك، ألقى درعه، ومغفره، وشد على الناس، وإنه ليطرد أكثر من مائتين، ثم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل رضوان الله عليه. جون مولى أبي ذر ووقف جون مولى أبي ذر الغفاري أمام الحسين يستأذنه، فقال: ياجون إنما تبعتنا طلباً للعافية، فأنت في إذن مني. فوقع على قدميه يقبلهما ويقول: أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدة أخذلكم! سيدي إن ريحي لنتن، وحسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفس عليّ بالجنة، ليطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيض لوني، لا و الله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم آل البيت، فأذن له الحسين، فقتل خمساً وعشرين وقتل. فوقف عليه الحسين وقال: اللهم بيض وجهه، وطيب ريحه، واحشره مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعرف بينه وبين آل محمد عليهم السلام. فكان من يمر بالمعركة يشم منه رائحة طيبة أذكى من المسك. وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخاً كبيراً صحابياً، رأى النبي وسمع حديثه، وشهد معه بدراً وحنيناً، وبرز شاداً وسطه بالعمامة، رافعاً حاجبيه بالعصابة. ولما نظر إليه الحسين بهذه الهيئة بكى وقال: شكراً لله لك ياشيخ. فقتل على كبر سنه ثمانية عشر رجلاً وقتل. عمر بن جنادة الأنصاري وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أن قتل أبوه، وهو ابن إحدى عشرة سنة يستأذن الحسين. هذا وقد امرته أُمه من قبل ذلك، وقالت له: ولدي قم وانصر ريحانة رسول الله، بعد ما ألبسته لامة حربه، فخرج يستأذن من الحسين بن علي. فلما نظر إليه الحسين قال لأصحابه، هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى، ولعل أمه تكره خروجه إلى المعركة، ردوه إلى الخيمة. فأقبل الغلام يسعى نحو الحسين عجلاً، خائفاً من أن يصده أصحاب أبي عبد الله عن مراده وقصده. فصاح: سيدي أبا عبد الله، إنّ أُمي هي التي البستني لامة حربي، فأذن لي يا ابن رسول الله حتى ارزق الشهادة بين يديك، فجزاه الإمام خيرا. فبرز وهو يقول: أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤادي البشير النذير علي وفاطمة والداه فهل تعلمون له من نظير له طلعة مثل شمس الضحى له غرة مثل بدر منير فقاتل قتال الأبطال، فأحاط الأعداء به من كل جانب، أردوه إلى الأرض صريعا، فاحتزوا رأسه ورموا به نحو الخيام، فسعت إلى رأسه امه، فمسحت الدم عنه وأخذته وضربت به رجلا قريبا منها فمات. وعادت إلى المخيم فأخذت عموداً، وقيل: سيفاً، وأنشأت تقول: أنا عجوز في النسا ضعيفة خاوية بالية نحيفة أضربكم بضربة عنيفة دون بني فاطمة الشريفة فردها الحسين إلى الخيمة، بعد أن أصابت بالعمود رجلين، وما رضي الحسين سلام الله عليه بأن تخرج امرأة من سائر نساء المسلمين أمام الاعداء، أمام الرجال الأجانب، فصونوا حلائلكم معاشر المسلمين كما تصونون ديناركم ودرهمكم. الحجاج بن مسروق الجعفي وقاتل حجاج بن مسروق الجعفي حتى خضب بالدماء، فرجع إلى الحسين يقول: اليوم ألقى جدك النبيا ثم أباك ذا الندى عليا ذاك الذي نعرفه الوصيا فقال الحسين: وأنا ألقاهما على أثرك، فرجع يقاتل حتى قتل. سويد بن عمر ولما اثخن سويد بن عمر بن أبي المطاع سقط لوجهه وظن أنه قتل، فلما قتل الحسين وسمعهم يقولون: قتل الحسين أخرج سكينة كانت معه فقاتل بها وتعطفوا عليه وقتلوه، وكان آخر من قتل من الأصحاب بعد الحسين عليه السلام. مصارع أهل البيت (ع) ولما لم يبق مع الحسين إلا أهل بيته عزموا على ملاقاة الحتوف، ببأس شديد، وحفاظ مر، ونفوس أبية،وأقبل بعضهم يودع بعضا. علي الأكبر (ع) وأول من تقدم هو شبيه رسول الله علي الأكبر، وكان شبيهاً برسول الله خلقاً وخُلقاً ومنطقاً، فأحطْنَ به النسوة وقلن: ارحم غربتنا فليس لنا طاقة على فراقك. فلم يعبأ بكلامهن، واستأذن أباه، فبرز على فرس للحسين يسمى لاحقا: وهو يقول: أنا علي بن الحسين بن علي نحن وبيت الله أولى بالنبي اضربكم بالسيف أحمي عن أبي ضرب غلام هاشمي علوي ت الله لايحكم فينا ابن الدعي ولم يتمالك الحسين دون أن رفع شيبته المقدسة نحو السماء، وأرخى عينيه بالدموع وقال: اللهم اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه، اللهم امنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاَ، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا يقاتلوننا، وصاح بابن سعد: قطع الله رحمك كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله.ثم تلا قوله تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}. ولم يزل يقاتل حتى قتل سبعين رجلاً. وقد اشتد به العطش، فرجع إلى أبيه، يستريح، ويذكر ما أجهده من العطش. فبكى الحسين وقال: واغوثاه، ما أسرع الملتقى بجدك، فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً: (ناده) يبويه شربة اميه الجبدي اتكوه ورد للكوم وحدي يبويه انفطر جبدي وحك جدي العطش والشمس والميدان والحر يكله امنين اجيب الماي يبني مهو حجيك بهض حيلي اوشعبني اوفت روحي وحس جبدي ولبسني يبويه استخلف الله العمر واصبر يكله والدمع يسفح امن العين يبعدي وبعد كل الناس يحسين تكلي اصبر اوكلبي صار نصين اشلون اصبر يبويه والصبر مر ولم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين. وأتاه سهم وقع في حلقه، وطعنه مرة بن منقذ العبدي بالرمح في ظهره، وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته، وتابعه الناس بأسيافهم حتى قطعوه إرباً. فجاء إليه الحسين وانكب عليه يقول: قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الله، وعلى انتهاك حرمة الرسول، على الدنيا بعدك العفا. ثم أخذ بكفه من دمه الطاهر ورمى به نحو السماء، فلم يسقط منه قطرة،وأمر فتيانه ان يحملوه إلى الخيمة، فجاؤوا به إلى الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه، وحرائر بيت الوحي ينظرن إليه محمولاً، قد جللته الدماء، بمطارف من العز حمراء، وقد وزع جثمانه الضرب والطعن. فاستقبلنه بصدور دامية، وعولة تصك سمع الملكوت، وأمامهن كبيرة البيت الهاشمي زينب العقيلة صارخة نادبة، فالقت بنفسها عليه تضم إليها زمام نفسها الذاهب، وحمى خدرها المنسلب، وعماد بيتها المنهدم. عبد الله بن مسلم وخرج من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وهو يقول: اليوم ألقى مسلما وهو أبي وعصبة بادوا على دين النبي فقتل جماعة بثلاث حملات، ورماه يزيد بن الرقاد الجهني بسهم، فاتقاه بيده فسمرها إلى جبهته، فما استطاع أن يزيلها عن جبهته. فقال: اللهم إنهم استقلونا واستذلونا، فاقتلهم كما قتلونا، وبينا هو على هذا إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه ومات. حملة آل أبي طالب ولما قتل عبد الله بن مسلم، حمل آل أبي طالب حملة واحدة. فصاح بهم الحسين صبرا على الموت يا بني عمومتي، و الله لارأيتم هواناً بعد هذا اليوم. فوقع فيهم عون بن عبد الله بن جعفر الطيار، وأمه العقيلة زينب وأخوه محمد، وأمه الخوصاء، وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب، وأخوه جعفر بن عقيل، ومحمد بن مسلم بن عقيل، وأصابت الحسن المثنى ثمانية عشر جراحة، وقطعت يده اليمنى ولم يستشهد. أبو بكر بن أمير المؤمنين (ع) وخرج أبو بكر بن أمير المؤمنين واسمه محمد وأمه النهشلية، قتله زجر بن بدر النخعي. ثم خرج عبد الله بن عقيل فما زال يضرب فيهم حتى اثخن بالجراح، وسقط إلى الأرض، فجاء إليه عثمان بن خالد التميمي فقتله. أبو بكر بن الإمام الحسن (ع) وخرج أبو بكر ابن الإمام السبط الحسن عليه السلام وهو عبد الله الأكبر، وأمه أم ولد، يقال لها: رملة، فقاتل حتى قتل. القاسم بن الحسن (ع) وخرج من بعده أخوه لامه وأبيه القاسم، وهو غلام لم يبلغ الحلم، فلما نظر إليه الحسين اعتنقه وبكى، ثم اذن له.فبرز كأن وجهه شقة قمر، وبيده السيف، وعليه قميص وإزار، وفي رجليه نعلان، فمشى يضرب بسيفه، فانقطع شسع نعله اليسرى، وأنف ابن النبي الأعظم أن يحتفي في الميدان، فوقف يشد شسع نعله، وهو لا يزن الحرب إلا بمثله، غير مكترث بالجمع، ولا مبال بالالوف، وبينا هو على هذا إذ شد عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي، وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته، وصاح الغلام: ياعماه، وأمه واقفة بباب الخيمة تنظر إليه وهي مدهوشة، فأتاه الحسين وضرب قاتله، فاتقاها بالساعد فأطنها من المرفق، وصاح صيحة عظيمة سمعها العسكر، فحملت خيل ابن سعد لتستنقذه، فاستقبلته بصدورها ووطأته فمات. وانجلت الغبرة وإذا الحسين قائم على الغلام وهو يفحص برجليه. والحسين يقول: بعداً لقوم قتلوك، خصمهم يوم القيامة جدك. ثم احتمله ورجلاه يخطان في الأرض، فالقاه مع علي الأكبر وقتلاه من آل بيته. جابه اومدده مابين اخوته بجه عدهم يويلي وهم موته بس ماسمعن النسوان صوته اجت عمته تصيح الله وكبر امبارك بي سبيعن ألف جابوك عن الحنة ابدم الرأس حنوك ابدال الشمع بالنشاب زفوك على راسك ملبس نبل ينثر اخوة العباس (ع) ولما رأى العباس عليه السلام كثرة القتلى في أهله، قال لإخوته من أمه وأبيه، عبد الله، وعثمان، وجعفر، تقدموا يا بني أمي حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله. والتفت إلى عبد الله، وكان أكبر من عثمان وجعفر وقال: تقدم يا أخي أراك قتيلاً واحتسبك. فقاتلوا بين يدي أبي الفضل حتى قتلوا بأجمعهم. العباس بن علي (ع) ولم يستطع العباس صبراً بعد قتل أخوته وأولاد عمه وأخيه،وكان آخر من بقي مع الحسين، فاستأذنه. قال: يا أخي أنت صاحب لوائي. قال العباس: قد ضاق صدري، واريد أن آخذ ثأري من هؤلاء المنافقين، فقال الحسين: إذن فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء. فذهب العباس إلى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار، فلم ينفع، ورجع إلى الحسين يخبره، فسمع الأطفال ينادون العطش العطش، فركب جواده وأخذ القربة، وقصد الفرات. فأحاط به أربعة الآف ورموه بالنبال، فلم يعبأ بجمعهم، ولا راعته كثرتهم، فكشفهم عن المشرعة ودخل الماء، واغترف منه ليشرب، فتذكر عطش الحسين، فرمى الماء وقال: يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أو تكوني وتشربين بارد المعين هذا الحسين وارد المنون أشلون أشرب واخوي حسين عطشان وسكنه والحرم واطفال رضعان وظن كلب العليل التهب نيران يريت الماي بعده لا حله اومر هذا الماي يجري أبطون حيات أضوكه كبل جبد احسين هيهات وظن طفله يويلي امن العطش مات وظن موتي كرب والعمر كصر ثم ملأ القربة، وتوجه نحو المخيم، فأخذ عليه الطريق، وجعل يضرب فيهم، وهو يقول: لا ارهب الموت إذا الموت زقا حتى أوارى في المصاليت لقى إني أنا العباس أغدوا بالسقا ولا أهاب الموت يوم الملتقى فكمن له زيد بن الرقاد من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل التنبتي فضربه على يمينه فبراها، وأخذ السيف بشماله وقال: و الله إن قطعتم يميني إني أحامي أبداً عن ديني وعن إمام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين فحاموا عن دينكم أيها المسلمون وتمسكوا به، فإنه خير دين. فكمن له حكيم بن الطفيل من وراء نخلة، فضربه على شماله فقطعها، فضم اللواء إلى صدره، وتكاثروا عليه، وأتته السهام كالمطر، فأصاب القربة سهم واريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وسهم أصاب عينه، وضربه رجل بالعمود على رأسه ونادى: عليك مني السلام أبا عبد الله. فأتاه الحسين. ورآه مقطوع اليمين واليسار، مرتدا بالجراحة، انحنى عليه وبكى بكاءً عالياً، وقال: الآن انكسر ظهري، وقلت حيلتي، وشمت بي عدوي، ثم حمل عليهم يضرب فيهم ويقول: إلى أين تفرون وقد فتتم عضدي. فبينا امامنا جالس عند أبي الفضل وإذا بأبي الفضل انتبه، فقال: سيدي ما تريد أن تصنع؟ قال: أريد حملك إلى المخيم. (ناده) يخويه احسين خليني ابمجاني يكله ليش يا زهرة زماني يخويه واعدت سكنه تراني ابماي اومستحي منها اومااكدر يخويه مادرت لنك رميه و ابرجواك تسجيها اميه يخويه امنين اجت ليك المنيه اوتكضي بالشمس والعطش والحر فبعد هنيئة فاضت روح أبي الفضل في حجر أبي عبد الله الحسين. فرجع الحسين إلى المخيم منكسراً حزيناً، يكفكف دموعه بكمه، وقد تدافعت الرجال على مخيمه، فصاح: أما من مجير يجيرنا؟ أما من مغيث يغيثنا؟ أما من طالب حق ينصرنا؟ أما من خائف من النار فيذب عنا؟ فأتته سكينة وسألته عن عمها فأخبرها بقتله! وسمعته زينب فصاحت وأخاه! واعباساه! واضيعتنا بعدك! وبكين النسوة، وبكى الحسين معهن، وقال: واضيعتنا بعدك!! وحدة الحسين (ع) ولما قتل العباس التفت الحسين فلم ير أحداً ينصره!! ونظر إلى أهله وصحبه مجزرين كالأضاحي، وهو إذ ذاك يسمع عويل الأيامى، وصراخ الأطفال،صاح بأعلى صوته: هل من ذاب عن حرم رسول الله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا؟!! فارتفعت أصوات النساء بالبكاء. ونهض السجاد يتوكأ على عصاه، ويجر سيفه، لأنه مريض لايستيطع النهوض. فصاح الحسين بام كلثوم احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد، فارجعته إلى فراشه. وهي تنادي يخويه اومالك معين اوكومك على الغبره مطاعين انه امنين اجيب المرتضى امنين عن كربله يابه غبت وين تدري الاميه اعليك اكو دين بويه يطلبون ثار ابدر وحنين خذو ثارهم واحد ابسبعين فزعوا فرد فزعه عله احسين وداع الحسين الأول ثم إنه عليه السلام أمر عياله بالسكوت، وودعهم،وكان عليه جبة خز دكناء، وعمامة موردة، أرخى لها ذوابتين، والتحف ببردة رسول الله، ولبس درعه وتقلد بسيفه. وطلب ثوباً لا يرغب فيه أحد، يضعه تحت ثيابه، لئلا يجرد منه،فإنه مقتول مسلوب. فأتوه بتبان فلم يرغب فيه، لأنه من لباس الذلة، وأخذ ثوباً خلقاً وخرقه وجلعه تحت ثيابه، ودعا بسراويل، ففزرها ولبسها لئلا يسلبها. عبد الله الرضيع (ع) ودعا بولده الرضيع يودعه، فأتته زينب بابنه عبد الله، وأمه الرباب، فأجلسه في حجره يقبله ويقول: بعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفى خصمهم. ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة بسهم فذبحه، فتلقى الحسين الدم بكفه ورمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة!! و قال: هون ما نزل بي أنه بعين الله. إلهي إن كنت حبست عنا النصر، فاجعله لما هو خير منه، وانتقم لنا من الظالمين، واجعل ما حل بنا في العاجل، ذخيرة لنا في الآجل، اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد صلى الله عليه وآله. وسمع عليه السلام قائلاً يقول: دعه ياحسين فان له مرضعاً في الجنة. فجاء به إلى قرب خيمة العقيلة زينب، وما رجع به إلى أمه، لأن الأم لا تتمكن أن ترى ولدها مقتولاً أمامها. فخرجت إليه العقيلة، فلما نظرت إلى الطفل وإذا به مذبوح من الوريد إلى الوريد، والسهم نابت في نحره، ودمه مسفوح على صدره. (نادت) يخويه الطفل عني دغطيه آنه مالي كلب يحسين اصد ليه اشوفه ذبيح او ماد رجليه خويه خفت العطش لن يلحك عليه هذا الخفت منه طحت بيه وحفر له الحسين سلام الله عليه بجفن سيفه ودفنه مرملاً بدمه، ويقال وضعه مع قتلاه من أهل بيته. الحسين في الميدان وتقدم نحو القوم مصلتاً سيفه، آيسا من الحياة، ودعا الناس إلى البراز، فلم يزل يقتل كل من برز إليه، حتى قتل جمعاً كثيرا. ثم حمل على الميمنة وهو يقول: الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار وحمل على الميسرة وهو يقول: أنا الحسين بن علي آليت أن لا أنثني أحمي عيالات أبي أمضي على دين النبي قال عبد الله بن عمار بن يغوث: مارأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه، ولا أمضى جناناً، ولا أجرأ مُقدماً، ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها ولم يثبت له أحد. فصاح عمر بن سعد بالجمع: هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتال العرب، احملوا عليه من كل جانب، فأتته أربعة الآف نبله، وحال الرجال بينه وبين رحله، فصاح بهم: يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون. فناداه شمر: ما تقول يا ابن فاطمة؟ قال: أنا الذي أقاتلكم وأنتم تقاتلونني، والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم وجهالكم عن التعرض لحرمي مادمت حياً. قال: اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي، قد حان حيني وقد لا حت لوائحه. فقال الشمر: لك ذلك. عطش سيد الشهداء وقصده القوم واشتد القتال، وقد اشتد به العطش، فحمل من نحو الفرات على عمرو بن الحجاج، وكان في أربعة الآف، فكشفهم عن الماء، وأقحم الفرس الماء، فلما ولغ الفرس ليشرب. قال الحسين: أنت عطشان وأنا عطشان، فلا أشرب حتى تشرب!! فرفع الفرس رأسه كأنه فهم الكلام!! ولما مد الحسين يده ليشرب ناداه رجل: أتلتذ بالماء وقد هتكت حرمك؟!! فرمى الماء ولم يشرب، وقصد الخيمة. أنظر أيها المحب أنظر أيها الغيور، إلى غيرة أبي الشهداء، ترك نفسه ظامئاً في سبيل المحافظة على ناموسه وعلى عرضه، فحافظوا على نواميسكم! حافظوا على حلائلكم من هذه التيارات. وداع الحسين الثاني ثم إنه عليه السلام ودع عياله ثانياً، وأمرهم بالصبر ولبس الآزر، وقال: استعدو للبلاء، وأعلموا أن الله حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شر الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعذب عدوكم بأنواع العذاب، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة، فلا تشكوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم. فقال عمر بن سعد: ويحكم اهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه، و الله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم. فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتى تخالفت السهام بين أطناب المخيم، وشك سهم بعض أزر النساء، فدهشن وارعبن وصحن ودخلن الخيمة ينظرن إلى الحسين كيف يصنع. فحمل عليهم كالليث الغضبان، فلا يلحق أحداً إلا بعجه بسيفه فيقتله، والسهام تأخذه من كل ناحية، وهو يتقيها بصدره ونحره. ورجع إلى مركزه يكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا ب الله العلي العظيم، وطلب في هذا الحال ماءً. فقال الشمر: لا تذوقه حتى ترد النار!! وناداه رجل: يا حسين ألا ترى الفرات كأنه بطون الحيات؟ فلا تشرب منه حتى تموت عطشا فقال الحسين: اللهم أمته عطشاً. فكان ذلك الرجل يطلب الماء فيؤتى به فيشرب حتى يخرج من فيه، وما زال كذلك إلى أن مات عطشاً. رمية أبو الحتوف الجعفي ورماه أبو الحتوف الجعفي بسهم في جبهته فنزعه، وسالت الدماء على وجهه، فقال: اللهم إنك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً. وصاح بصوت عال: يا أمة السوء بئسما خلفتم محمداً في عترته، أما إنكم لا تقتلون رجلاً بعدي، فتهابون قتله، بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون. قال الحصين: وبماذا ينتقم لك منّا يا بن فاطمة؟ قال: يلقي بأسكم بينكم، ثم يصب عليكم العذاب صبا السهم المحدد ولما ضعف عن القتال وقف يستريح، فرماه لعين بحجر على جبهته، فسال الدم على وجهه، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه، رماه آخر بسهم محدد له ثلاث شعب وقع في صدره، وقيل: على قلبه. فقال: بسم الله وب الله وعلى ملة رسول الله. ورفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره!! ثم أخرج السهم من قفاه، وانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده تحت الجرح، فلما امتلأت رمى به نحو السماء، وقال: هون عليّ ما نزل بي أنه بعين الله، فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض!! ثم وضعها ثانياً، فلما امتلأت لطخ به رأسه ووجهه ولحيته، وقال: هكذا أكون حتى ألقى الله وجدي رسول الله وأنا مخضوب بدمي، وأقول: ياجد قتلني فلان وفلان. وأعياه نزف الدم، فجلس على الأرض ينوء برقبته، فانتهى إليه في هذا الحال مالك بن النسر فشتمه، ثم ضربه بالسيف على رأسه، وكان عليه برنس فامتلأ البرنس دماً. فقال الحسين (ع): لا أكلت بيمينك ولا شربت، وحشرك الله مع الظالمين، ثم ألقى البرنس، واعتم على القلنسوة. محمد بن سعيد قال هاني بن ثبت الحضرمي: إني لواقف عاشر عشرة لما صرع الحسين، إذ نظرت إلى غلام من آل الحسين، عليه ازار وقميص، وفي اذنيه درتان، وبيده عمود من تلك الأبنية، وهو مذعور يتلفت يميناً وشمالاً، فأقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه وعلاه بالسيف فقطعه، وذلك الغلام هو محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب، وكانت أمه تنظر إليه وهي مدهوشة. ثم انهم لبثوا هنيئة وعادوا إلى الحسين، وأحاطوا به وهو جالس على الأرض لا يستطيع النهوض. عبد الله بن الحسن فنظر عبد الله بن الحسن السبط، وله إحدى عشر سنة إلى عمه، وقد أحدق به القوم، فأقبل يشتد نحو عمه، وأرادت زينب حبسه، فأفلت منها، وجاء إلى عمه، وأهوى بحر بن كعب بالسيف ليضرب الحسين فصاح الغلام: ياابن الخبيثة، أتضرب عمي الحسين؟ فغضب اللعين من كلامه، فضرب الغلام بسيفه فاتقى الضربة بيده، فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة. فصاح الغلام: يا عماه لقد قطعوا يدي، ونظر إلى أمه في باب الخيمة فنادى: يااماه لقد قطعوا يميني، فضمه الحسين إليه فقال: يا ابن أخي أصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإن الله تعالى يلحقك بآبائك الصالحين. ورفع يده قائلاً: اللهم إن متعتهم إلى حين، ففرقهم تفريقا، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا،ثم عدوا علينا يقاتلوننا. ورمى الغلام حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه، وبقي الحسين مطروحاً على الأرض ملياً، ولو شاؤوا أن يقتلوه لفعلوا، إلا أن كل قبيلة تتكل على غيرها، وتكره الإقدام. نداء الشمر فصاح الشمر ما وقوفكم، وما تنتظرون بالرجل وقد اثخنته السهام والرماح، احملوا عليه، فضربه زرعة بن شريك على كتفه الأيسر! ورماه الحصين في حلقه! وضربه آخر على عاتقه! وطعنه سنان بن أنس في ترقوته، ثم في بواني صدره، ثم رماه بسهم في نحره، وطعنه صالح بن وهب في جنبه. قال هلال بن نافع: كنت واقفاً نحو الحسين، فرأيته يجود بنفسه، فو الله ما رأيت قتيلاً قط مضمخاً بدمه، أحسن منه ولا أنور وجها! ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله! فاستسقى في هذا الحال ماءً فأبوا أن يسقوه!! وقال له رجل: لاتذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها!!! قال: أأنا أرد الحامية؟! وإنما أرد على جدي رسول الله، وأسكن معه في داره، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشكوا إليه ما ارتكبتم مني، وما فعلتم بي، فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحدهم من الرحمة شيئاً. فرس الحسين (ع) وأقبل فرس الحسين يدور حوله ويلطخ ناصيته بدمه! فصاح ابن سعد: دونكم الفرس، فإنه من جياد خيل رسول الله. فأحاطت به الخيل فجعل يرمح برجليه، حتى قتل جماعة. فقال ابن سعد: دعوه لننظر ما يصنع، فلما أمن الجواد الطلب، أقبل نحو الحسين يمرغ ناصيته بدمه ويشمه، ويصهل صهيلاً عالياً. قال أبو جعفر الباقر كان يقول: الظليمة الظليمة، من أمة قتلت ابن بنت نبيها، وتوجه نحو المخيم بذلك الصهيل، فلما نظرن النساء إلى الجواد مخزياً! والسرج عليه ملوياً! خرجن من الخدور! على الخدود لاطمات! وبالعويل داعيات! وبعد العز مذللات! وإلى مصرع الحسين مبادرات. فواحدة تحنو عليه تضمه وأخرى عليه بالرداء تظلل وأخرى بفيض النحر تصبغ شعرها وأخرى تفديه واخرى تقبل وأخرى على خوف تلوذ بجنبه وأخرى لما قد نالها ليس تعقل ونادت أم كلثوم: وامحمداه! واأبتاه! واعلياه! واجعفراه! واحمزتاه هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء! مصرع سيد الشهداء ونادت زينب: وأخاه! واسيداه! واأهل بيتاه! ليت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل!! وانتهت نحو الحسين، وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه، والحسين يجود بنفسه، فصاحت: أي عمر أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! فصرف بوجهه عنها، ودموعه تسيل على لحيته! فقالت: ويحكم أما فيكم مسلم؟!! فلم يجبها أحد!! ثم صاح ابن سعد بالناس: انزلوا إليه وأريحوه!! فبدر إليه شمر!!! فرفسه برجله!!! - والله ما قرأت هذه المصيبة إلا في اليوم العاشر فقط، ولا اتعرض إلى ذكرها طيلة السنة أبداً - فرفسه برجله!!! وجلس على صدره!!! وقبض على شيبته المقدسة!!! وضربه بالسيف!!! وضربه بالسيف اثنى عشر ضربة!! واحتز رأسه المقدس!! أي وا إماماه! وا حسيناه! واسيداه! ((تكله يا شمر ب الله دخليه)) يظالم خل اخوي احسين ساعة آنه اضلله ومد للموت باعه مهو شمامة الحلوة اطباعه دخلي ابراح روح حسين تظهر صاحت صوت الحكو يال عدنان الحكوا حسين لا ينذبح عطشان دفعها الشمر عنه ابسوط واسنان دكومي لو اذبحج فوك الحسين